الاثنين، 27 أبريل 2009

رحلة الشيخ عبد الحميد بن باديس الى الأوراس

Timguelline Salah-Eddine.Prof :HIS/GEO
رحلة الشيخ ابن باديس الى جبال الأوراس
محطات في درب الرسالة : [انظر الوثيقة رقم 01]
في الحقيقة كانت لهذه الرسالة محطات تاريخية كثيرة مرت بها حتى بلغت مكامن النور ، و انبلج صبحها فظهرت ، و قدر لها أن تنشر – لأول مرة – ، و قبل تفحصها و التعرف عليها و تقديمها للقارئ الكريم ، و التعليق على مضمونها ، يجدر بنا بادئ ذي بدء أن نواكب مسيرتها ابتداء من إرسالها إلى يوم نشرها هذا ، حتى يتمكن القارئ الكريم من إدراك كل ملابساتها و أحداثها البعيدة عنها، الملامسة لها ، المسايرة و المحيطة بها .
في سنة 1965 إرتأى المفتش الجهوي للأوقاف " باتنة و عنابه " الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني - رحمه الله – ضرورة جمع تراث و آثار من أحيى الأمة و أنار لها الدروب و عبد لها السبل نحو الإنعتاق و التحرر ، الشيخ عبد الحميد بن باديس - طيب الله ثراه – إمام النهضة العربية الإسلامية في الجزائر ، في كل شبر من الشرق الجزائري ، فأرسل لكافة الأئمة و الشيوخ الذين نهلوا العلم و المعرفة من لدن الشيخ الإمام ، طالبا إياهم إفادته بأي وثيقة أو معلومة أو حادثة مكتوبة أو مروية عنهم أو عن غيرهم، لها علاقة قريبة أو بعيدة بالشيخ فكانت الردود متنوعة .
ففي يوم 06 ماي 1965 وردت رسالة من الشيخ – سي المولود بوزيد – إمام مسجد سريانة ، الذي زاول دروسه بقسنطينة مدة عام واحد – أي سنة 1939 - ، فتكلم عن طبيعة الدروس و مراكز التعليم المتفرعة عن الجامع الأخضر كسيدي قموش و سيدي بومعزة .... ثم تكلم عن نظام دراسة الطلبة و مراكز سكناهم و كيفية إجراء الاختبارات ...و منح الشهادات ....
ثم يأتي دور الرسالة – موضوعنا – فيقول : " أما بشأن الوثائق المكتوبة بخط بن باديس فلم تكن عندي و سألت أبي و هو تلميذ للشيخ باديس فقال موجودة و ضاعت لي في وسط الكتب ، ففتشنا جميع ما نملك من كتب فلم نعثر على رسالة مذكورة ، و إنه بلغني خبر عن هاته الرسالة نفسها بأنها موجودة عند الأخ – سي عبد المجيد بوزيد – إمام بتحمامت ، و لعل نتصل إليكم من طرف الشيخ عبد المجيد ، و هاته الرسالة كتبها الشيخ عبد الحميد إلى جدي محمد حسبما سمعت من أبي لما كان بينهما من المودة و الإخاء ، و لهذه الغاية تكررت زيارته إلى – بويخفاون – لما وجده الشيخ عبد الحميد من الحفاوة و التعاون في نشر الفكرة الإصلاحية و التأييد له ."
و في 06 جويلية 1965 وردت رسالة من الشيخ – عبد المجيد بوزيد – إمام مسجد المعذر يذكر فيها أنه قد اهتدى – في الأيام الأخيرة – إلى الرسالة ، التي كانت محفوظة في الكتب منذ أمد فبادر إلى إرسالها إلى الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني الذي عاجلته المنية – رحمه الله – فعادت الرسالة من جديد إلى طيات الكتب إلى يومنا هذا حيث عثرت عليها في كتاب – سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب - .
محتوى الرسالة :
كما هو مثبت في الأصل بخط الشيخ عبد الحميد بن باديس :
بسم الله الرحمن الرحيم . حمدا و صلاة و سلاما ، قسنطينة 14 ذو القعدة الحرام 1350 هـ .
الأخ الكريم الشيخ سيدي محمد بن سيدي مولى القرقور المعظم السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
أما بعد : فقد أحاطت بي ديون بسبب ما أنا قائم به من المشاريع الخيرية العامة لا بسبب شخصي . و لما ثقل علي حملها التجأت – بعد الله – إلى خواص أحبائي الذين أثق بمودتهم و تقديرهم للأعمال و كتمهم للأسرار فجعلت على كل واحد منهم ألف فرنك إن شاء عطية و إعانة على الخير و إنشاء سلفة إلى مدة عام .
و أنا أنتظر جوابكم شاكرا سواء أجبتم أو اعتذرتم .
دمتم سالمين . و السلام من أخيكم – إمضاء – الشيخ عبد الحميد بن باديس
التعليق :
الإطار الزماني للرسالة :
الرسالة – كما هي واضحة – عبارة عن طلب إعانة محددة بألف فرنك ، نظرا للأعباء الكثيرة التي كانت تحيط بالشيخ الإمام عبد الحميد من كل جانب و تثقل كاهله كثيرا ، و إذا ما حاولنا التعرف على إطارها الزماني نجده بالضبط – 14 ذوالقعدة 1350 هـ - ، أي بعد عام كامل من تأسيس جمعية العلماء المسلمين الذي كان في 17 من شهر ذي الحجة الحرام 1349 هـ الموافق لـ : 05 ماي 1931 حيث بدأت تدب فيها الحركة و أنتقل صداها إلى كل شبر من أرض الوطن شرقا و غربا ، و شرعت في تكوين الأساتذة و تشييد المدراس الحرة لإخراج الأمة من الغمة التي ظلت تتخبط فيها طيلة قرن من الزمن – 1830/1931 - .
و قد جاء في الرسالة كذلك ، و في الجانب الأيمن منها ، قائمة من خواص الخاصة الذين إتصل بهم الشيخ الإمام و هم – بلا ترتيب - :
عمر بن شيكو دفع عطية / حسين بن شريف دفع عطية / أحمد بن حربي دفع سلفا / محمد المصطفى بن باديس دفع عطية / حمراوي محمد الصالح ... / الأكحل عياط قيدوم .../ .
التعريف بزاوية القرقور :
أما بالنسبة لزاوية القرقور ، فهي المسماة كذلك بزاوية الشيخ الطيب الواقعة بدائرة سريانة ولاية باتنة ، و هي مشهورة معروفة و مقصودة من القاصي و الداني ، هدفها الأسمى تعليم القرآن الكريم و حفظه و كذا تدريس فنون العلوم الإسلامية عموما ، و تتبع الطريقة الرحمانية ، نهل منها العلم الكثير من الطلبة الذين تصدروا التدريس فيما بعد في العديد من المساجد بحوز أوراس ، و منهم على سبيل المثال – لا الحصر - الشيخ الطاهر مسعوداني الحركاتي .
و قد قال فيها : د. ن،س : نقلا عن الأرشيف الوطني الجزائري مايلي :
" زاوية سيدي أحمد بن بوزيد ، المعروفة بزاوية مولى القرقور ، التي يعود تأسيسها إلى الولي الصالح سيدي أحمد بن بوزيد الذي انزوى بدشرة القرقور بجبل تلات للعبادة و الذكر ، بعد أن قضى شبابه في خدمة العلم عند عشائر الحراكتة ، و قد اكتسب عقبه سمعة كبيرة و احتراما فائقا لدى أهالي " بلزمة " ، و كان آخر شيوخ هذه الزاوية قبل الاحتلال الفرنسي هو سيدي محمد بن سي بلقاسم مقدم الطريقة الرحمانية بنواحي بلزمة "
علاقة الشيخ ابن باديس بزاوية مولى القرقور :
إن الشيخ بن باديس عندما ألمت به ظروف الحاجة ، نظرا لتلك الأعباء الضخمة التي أحاطت به ، شرع في سلسلة من الإتصالات بأصدقائه المقربين –خواص الخاصة – و كان من بينهم شيخ زاوية مولى القرقور ذلك لأن أواصر الصداقة بينهما كانت قديمة و متينة للغاية ، و لم تكن وليدة ذلك الظرف، و نستطيع أن ندرك ذلك من خلال ما كتبه الشيخ سي مولود بوزيد في رسالته المؤرخة في ماي 1965 – السابق ذكرها – التي تكلم فيها عن زيارة الشيخ الإمام بن باديس إلى منطقتهم حيث يقول :
" و قد شاركه أبي – يعني الشيخ علي بن محمد بن الطيب – في رحالاته الى الأماكن التالية في سنوات- 18 و 20 و 1926 .
* بويخفاون : و هو سكنانا – سابقا – وهو مكان تحيط به الجبال حلقة الأمن جهة واحدة و هو شرق سريانة ، و حدثني أبي بما سمعه عن أستاذه عبد الحميد بن باديس قال عندما يلقي نظراته على الجبال الشاهقة يقول : " أن الجزائر لا تحصل على حقها إلا بالدم " ، فزار مكتب القرآن العظيم و مدرسة للتعليم الديني ، و قد تكررت زيارته إلى بويخفاون ثلاث مرات في سنوات 18 – 20 – 1926 .
* المتراس : و قد زارها سنة 1926 ، و هي قرية صغيرة خلابة بمناظرها الجميلة بما فيها من جبال و بساتين مثمرة و مياه متدفقة و هي غرب سريانه على نحو 4 كلم .
* وادي الماء : الذي هو بين جبال مستاوة و جبال الحجرين المتصلة بالشلعلع و بات في هاته القرية ، ثم اتجه إلى:
* روس العيون : زار الشيخ صديقه الشيخ عبود باللونيسي الذي كان قاضيا بها ثم :
* نقاوس : ذات المياه المتدفقة و البساتين المثمرة و شاهد الآثار القديمة كمسجد سبع رقود و ألقى درسا في قوله تعالى :" و ما محمد إلا رسول قدخلت من قبله الرسل "

الأحد، 26 أبريل 2009

قصيدة الشاعر السوري وليد قنباز1968باتنة الجزائر

Timguelline Salah-Eddine.Prof:HIS/GEO
يا قبر رفقا
قصيدة قيلت في رثاء المرحوم الشيخ أحمد السرحاني يوم وفاته و ألقيت على قبره للأستاذ الشاعر : وليد قنباز
ورد النعـــي فهـــاج لــي أشجـــاني *** و نعـــــى بغم أحمد السرحــــــاني
بالأمـــــــــس كان النجم في أجوائنا *** واليوم غـــار و بات في الأكفــــان
أين التقى و العلـــم فــي خطراتـــــه *** أين الــــهدى و ذؤابــــة الأيمــــان
أين الصــــفاء و أيــن من بـحياتــــه *** عبــر تســـامت عن بديـــع بيــــان
أيــن الحنــان و أين صحبـــة احمــد *** أين الصــــديق لمـــعشر الشبــــان
قلـــب كبيـــر و الجميـــع رفـــاقـــه *** لا يــزدهي تيــــها على الأقــــران
لا آمـــــــــــــــــر متغطرس لا سيد *** بل واحد من صـــــفوة الإخــــوان
قد كـــــــــان والدنا و راعينا معــــا *** بشـــــــــــــمائل تنأي عن الأدران
يسعى و يعمــــــــل صبحه و مساءه *** بعزيمـــــــــة و تجرد و تفــــــــان
حتى إذا عاث البــــلاء و لم يعــــــد *** للجســـــــم مقدرة على الكتمـــــان
طافـــت به الآلام شتى و انثنـــــــت *** تظـــــــغى بعنف في رقيق كيـــان
و الـــــــذاء زاد على الحشا أوجاعه *** وســــــــوى مع الأشجــان يلتقيــان
فغدا حليفا للمصاعب و المــــــــحن*** و العـــــزم في هزل و في نقصان
و مضى لخنشلة بحالة مدنــــــــــف*** جلد على ذا الداء و الحرمـــــــــان
شهران من عمر الزمـان تقاضيـــــا *** والضــــعف يهدم شامخ البنيـــــان
فالطب يعمل جاهدا في جسمـــــــــه *** و الدهر يسخــر من يـــد الإنســان
و إذا دنا وقت الرحيــــــل فليس في *** هذي البسيطة للبديل يســـــــــــدان
في ذمة التاريخ أمســــــى أحمــــــد *** هادي الهداة و عالم القــــــــــــرآن
كم كان جلدافي الخطوب مناضــــلا *** من دونما تعب و لا حسبـــــــــــان
يرنوا إلى الفصحى تموت وتنطفــي *** و الشعب رهن سياســــة العــدوان
والديــن يرزح تحت عبء زخارف *** و طرائف من أغرب الألــــــــوان
و الــــدرب مسدود بألـــــف سحابـة *** و الأمن يرفع ربى النسيـــــــــــان
فأتى بن باديــــس و صار مريـــــده *** و المعمعـــــات تموج في الميــدان
و استقبلتــــــه جماعة العلمــاء فــي *** أقســـــى مراحلها مــع الفتيـــــــان
و الكـــــل ثاروا ثورة مضــــــــرية *** آثـــــــــارها تبدو بكــل مكــــــــان
ردت إلى الإســــــلام جوهر أمســه *** و أعــــادت الفصحى إلى الأوطان
حملــــت إلى الدنيــا الجزائــر شعلة *** شعــــــت ذبـــالتها على الأكـــوان
و تحقــــــق النصـــر العظيم لشعبها *** مــــــــن بعد تضحيـــة و بعد تفان
و تراجــــع المستعمـــرون أذلــــــة *** و عليهــــــــم إرهاقة الخســـــران
و الشيــــخ أحمد في رحاب مناضل *** و مكافــــــح في السر و الإعـــلان
أوراس يعرف فضــــــــله و جهاده *** و نـــــــداءه سياســــة العصيــــان
يا قبـــــر رفقا بالمجــــــاهد أحمــــد *** فهـــــو المعلــــم كامل الوجـــــدان
يا رب عفـــــوك ، قد أتــــاك فقيـدنا *** فأمنحـــــه فيضا من جنـى الغفران
العيــن بعدك بالدمــــوع سخيــــــــة *** و القلــــب إثرك في لظى الأشجان
و عزاؤنا أن الحيــــــاة قصيـــــــرة *** فهنــــــاك نسعد في حمـى الرحمن

السبت، 4 أبريل 2009

الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني

Timguelline Salah-Eddine.Prof: HIS/GEO
الشيخ
أحمد تيمقلين السرحاني
* قال فيه الشيخ عبد الحميد بن باديس :
" إذا كنت سرحانا ، فاقصد مجلس السرحاني "
* ومدحه شاعر الثورة الجزائرية محمد العيد آل خليفة :
" أفــدت بني الفصــــحى بجم الفوائــد وعدت على الفصحى بغر العوائـد
جــــاهدت فيها دارســـــا وموجهـــا بتوجيهك الأسمى لنشئ مجـــاهد
وما ضل من سماك أحمد في الورى فغرســك حمد مثمر للمـــــــحامد "
* ونعاه الشاعر السوري وليد قنباز قائلا :
ورد النعـــي فهاج لي أشجانـي ونعى بغم أحمد السرحانــــــــي
بالأمس كان النجم في أجوائنــا واليوم غار،وبات في الأكفـــان

المولد و النشأة

ولد الشيخ أحمد تيمقلين المدعو-السرحاني-يوم -20اكتوبر1912 –بكيمل حوز آريس،من أبوين ينتميان لأسرة محافظة اشتهرت بالعلم و الإصلاح،متوسطة الحال تشتغل بالفلاحة.
حفظ القرآن الكريم على شيخ قريته مصطفى بن محمد المالحي-أحد تلامذة الشيخ عبد الحميد بن باديس- وهو ابن سبع سنوات،كما أخذ عنه المبادئ الدينية واللغوية:فقه،فرائض،ونحوه.ثم انتقل الى زاوية الشيخ الصادق بلحاج بـ:تيبرماسين،ومنها إلى خنقة سيدي ناجي التي زاول فيها دراسته الابتدائية والإعدادية على يد العديد من الشيوخ على رأسهم الشيخ الصديق بلمكي خريج جامع الأزهر الشريف .
غير أن شغفه بالعلم وتوقه للمعرفة ونهمه للتفقه دفعة إلى طلب المزيد ، خاصة بعد أن سمع الكثير عن الشيخ عبد الحميد بن باديس وما اشتهر به من مستوى عال ونباغة علمية وسعة أفق ، فقرر التوجه إلى قسنطينة قاصدا الجامع الأخضر .
وفي سنة -1936- التحق بالجامع الأخضر حيث يدرس الشيخ الإمام،فاجتاز المسابقة بتفوق وتم تسجيله،فزاول دراسته من نفس السنة في الطبقة الثانية-الثانوي-ولازمه الي وفاته-رحمه الله –في:16أفريل1940.
العمل قبل الثورة
كان طوال مدة وجوده بقسنطينة من:1936الى1940 ينشر الدعاية للعلم،و يشهر في محاضراته و دروسه و خطبه بربوع الأوراس بالأعمال الشنيعة التي ارتكبها المستعمرون و حكام الاحواز المتغطرسون و ينشر كل، وينشر كل مخازيهم في جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، ويكتب في مجلة الشهاب أيضا.. الأمر الذي أغاظ حكام الاحواز وأذنابهم ، فراحوا يطاردونه ويضيقون عليه، حتى اضطر ألا يمر أبدا ببلدة آريس !مقر حاكم الحوز آنذاك.
وفي شهر سبتمبر من سنة 1941 ألقي عليه القبض بدوار كيمل مسقط رأسه، بتهمة حث الجماهير على عصيان فرنسا في خطبه ، وتوعيتهم وإرشادهم بأن هذا هو أوان ثورة الشعوب المغلوبة على أمرها، لأ فرنسا مشغولة مع حلفائها بحرب دول المحور، وكان مما قوى التهمة أن وجد لديه خليفة حاكم الحوز – موريزو- الذي جاء خصيصا لإلقاء القبض عليه: أكثر من سبعين أصلا لمقالات نشرت ، ورسائل إخبار إلى الشيخ ابن باديس، وجرائد مشرقية من جملتها : القبس لسان الكتلة الوطنية بسوريا، وجريدة القلم الحديدي لعرب المهجر بأمريكا. وتواريخ : الأمير عبد القادر، وعبد الكريم الخطابي، وعمر المختار، وفرحان السعيد... فزج به في سجن آريس بأمر الحاكم – فابي – مدة ستة شهور، ثم نفي الى حوز مسكيانة مدة ثمانية شهور، وفي نوفمبر من سنة 1942 أطلق سراحه.

وفي سنة 1943 عين من قبل الجمعية معلما بمدرسة مشونش وكان مع ذلك مديرا ومرشدا وإمام جمعة ومشرفا على مدارس الجمعية بأوراس الى سنة 1948 ومن جملة تلاميذ هاته الفترة ، الذين كانوا يعدون آنذاك : 156 تلميذا، الأستاذ زروق موساوى ، الأستاذ وفرحات نجاحي.
وفي عامي 1948/1949 عين معلما بمدرسة الو لجة حوز خنشلة ، وفي عامي 1950/1951 عين معلما بمدرسة كيمل ومن تلاميذ هاته الفترة : عبد القادر زبادية ، محمد الصغير هلا يلي ، محمد تغلسية ، محمود غواطي ، عبد المجيد سعداوي.
وفي سنوات 1951الى صيف 1955 عين- ثانية- بمدرسة مشونش ، ومن جملة تلاميذ هاته الفترة : محمد مهري ، محمد منصوري ، فرحات بوذيبة وملاوي...

العمل في الثورة :
بدأ العمل من أول شهر نوفمبر سنة 1954 بمشونش،حيث كان له اتصال وثيق جدا بـ :" ابنه الروحي" أحمد بن عبد الرزاق :القائد الحواس قبيل اندلاع الثورة قبيل اندلاع الثورة، وبطلب من الحسين برحايل ورمضان حوني كان أول من أدخل المال للثورة من بسكرة على يد عبد الرحمن البركاتي والعرافي والشيخ مرحوم.
وفي شهر سبتمبر من سنة 1955 نفي من أوراس بأمر من عامل عمالة قسنطينة- بارلانج – [الذي كان ضابطا مكلفا بشؤون الأهالي في المغرب الأقصى، حيث كان يجيد التكلم بالعربية ، ثم جلب الى الجزائر لما له من تجربة في سياسة التنكيل بالشعوب ] فلجأ الى قسنطينة، حيث علم في بالمعهد الباديسي –1955/1956- . وبعد شهر من نفيه أخرجت عائلته من مشونش فكفلها إخوانه المناضلون : عبد الرحمن البركاتي والعرافي والهاشمي بن دراجي ببسكرة .
وفي قسنطينة كان على اتصال دائم بالمناضلين فى الأوراس منهم : محمود الوعي حيث أرسل الأدوية وأدوات الجراحة والبوصلات والمجاهر – المنظار المكبر – والمال والمذاييع ...
و بعد حادثة قسنطينة التي استشهد فيها أكثر من خمسين مناضلا منهم الشهيد الأستاذ أحمد رضا حوحو ، لجأ صحبة بعض الإخوان إلى الجزائر العاصمة ، و فيها لم يفتر عن العمل مع الشيخ أحمد حماني و الشيخ مصطفى بوغابة و الشيخ محمد حفناوي ، و كان على اتصال مع المجاهدين الذين أوفدوا آنذاك من الأوراس إلى جهة بوسعادة و من جملتهم الصادق جغروري .
بعد أكثر من ثلاثة أشهر رجع إلى بسكرة بأمر من الشيخ الشهيد الأستاذ العربي التبسي بعد إلحاح من الإخوان السابق ذكرهم ، فدخل بسكرة خفية صحبة الأخ الهاشمي بن الدراجي فعين معلما و مديرا بمدرسة التربية و التعليم سنة -1956/1958- إلى أول أكتوبر من السنة حيث أقفلت جميع مدارس التربية و التعليم في شهر مارس من سنة -1958- .
و في بسكرة كانت داره مأوى للفدائيين : يكتب لهم الوصلات و رسائل الشكر و التهديد و على رأسهم الأخوين : بلقا سم وشن وأحمد البوزيدي ، و كان عضوا في لجنة جبهة التحرير ببسكرة مع الإخوان البركاتي و الهاشمي بن الدراجي ، و لم تنقطع صلته أبدا بالقائد الحواس و مسؤولي أوراس .
بعد إقفال مدارس الجمعية و استشهاد بعض الفدائيين منهم : بلقا سم وشن و بوزيدي اتصل بابنه الروحي أحمد بن عبد الرزاق القائد سي الحواس ، فطلب منه الالتحاق بالثوار في الجبل فأشار عليه بالذهاب إلى الصحراء لأنها في حاجة إلى دعاية و توعية و تحسيس .
كانت رحلته رأسا إلى الزاوية الكحلاء – فور فلاتيرس – بالهقار ، ثم وادي ريغ و وادي سوف رفقة المناضل مصطفى بن حسين .
و في الصحراء كان يقوم بالدعاية للثورة و السير رواء جبهة واحدة و حكومة واحدة ، و لم يفتر عن الصعود إلى بسكرة حاملا الوصولات إلى أصحابها ، و كم لاقى من عنت يفي مراكز المراقبة ، خاصة – السطيل - .
و في سنة - 1959 – اهتدى إلى اسمه أحد الوشاة ، و لكن لحسن الحظ لم يعرفوا اللقب ، و قد نقلت عائلته إلى – الكوميسارية - بسكرة و لم يحصلوا منها على أي شيء . و في الصحراء قام مع الدعاية و جمع المال بدعوة الشبان إلى التجنيد من جملتهم السيد محمد موهوب بن حسين .
و في آخر سنة - 1960 – طلب منه أن يصوغ بعض الأناشيد للثورة ، فنظم مجموعة منها :" الرصاص فصل الخطاب" نشر في العدد السابع من جريدة الأحرار ، و "تحية الجيش " نشر في العدد الثاني من نفس الجريدة ، و " نشيد النجاح المثلث" ....و غيرها .
العمل بعد الإستقلال :
أسندت للشيخ بعد الاستقلال مباشرة العديد من الوظائف ، كان أولها : مفتشا لوزارة الأوقاف للأوراس الكبير و عنابه من سنة – 1963/1965 – حيث قضى هذه الفترة في التنقل و التفتيش من بلدة إلى أخرى و من دشرة إلى دشرة ، يقيم المساجد و يعين القيمين عليها و يسهر على سيرها الحسن و تأدية وظيفتها على أكمل وجه .
ثم أستاذا و مديرا لثانوية عباس الغرور – باتنة – في الفترة الممتدة من – 1965/1968- و هي أول ثانوية معربة في المنطقة ، فقام بترميمها و تنظيمها و تسييرها و بعث التعليم العربي الإسلامي فيها ، فأضحت مركز إشعاع علمي في المنطقة.

إلى جانب عضويته بالمجلس الإسلامي الأعلى – لجنة الثقافة و النشر - ، و كان من بين الحاضرين عند تأسيسه ، و لم يبخل أبدا بآرائه السديدة طيلة حياته لهذه الهيئة الإسلامية .
و كان عضوا شرفيا في المجلس القضائي بباتنة ، يستشار في القضايا الشائكة ، و يستدعى لعقد الصلح بين المتخاصمين .
و يمكن أن تصنف نشاطاته – باختصار شديد – في هذه الفترة إلى :
النشاطا الميداني :
(01) : المساهمة في إنشاء المعاهد الإسلامية ، منها معهد باتنة مع المجاهد محمود الواعي و الشيخ عمر دردور ، الذي دشن في 29/04/1963 .
(02) : عمل جاهدا من أجل تعليم المرأة و تنويرها خاصة في الأوراس ، فحثها على ضرورة الالتحاق بالمعهد الإسلامي بباتنة حيث خصص قسمين للفتيات .
(03) : أسلم على يده 20 مسيحيا و مسيحية ، و سلمت لهم شهادات تثبت إسلامهم عن طريق المفتشية .
(04) : حارب الشعوذة و الدجل عن طريق الخطب و الدروس في المساجد بالأوراس و عنابه والجنوب ، و عن طريق إذاعة باتنة و إذاعة قسنطينة الجهويتين .
(05) : عمل على إنشاء بيوت للصلاة في كامل المؤسسات و المدارس خاصة في دائرة عمله .
(06) : حارب منح رخص بناء المواخير ، و بعث دور البغاء الرسمي ، و احتج عن ذلك بواسطة رسائل نصح لمختلف المسؤولين .
النشاط التأليفي :
(01) : ألف كتابا في النحو العربي – المستوى الثانوي - ، لم يطبع إلى يومنا رغم المحاولات الجادة ، و قد أقرظه الشاعر الفحل محمد العيد آل خليفة بقصيدة عنوانها – هي الهمة القعساء – الديوان ص 541 .
(02) : خلف مجموعة كبيرة من الدروس الخاصة بالتربية و التعليم ضمنها آراءه و أفكاره .
(03) : خلف مجموعة كبيرة من الدروس الفقهية منظمة و مرقمة حسب إذاعتها عبر إذاعة باتنة الجهوية .
(04) : خلف مجموعة من الخطب القيمة – خطب جمعة – تعتبر كنموذج كانت ترسل إلى مختلف الأئمة في عنابه و الأوراس .
(05) : خلف مجموعة من الأناشيد في الثورة و في الاستقلال منها ما صدر في الجرائد و المجلات و بعضها مازال مغمورا.
(06) : ألف بعض المسرحيات الهادفة تروى بعض مآثر و معارك الثورة ، و أخرى في الشخصيات التاريخية .
(07) : خلف مخطوطا رصد فيه كل مساجد الأوراس بمعناه الكبير و عمالة عنابه ، من حيث : العدد المساحة و النوعية و القائمين عليها و فذ لكة تاريخية عن النشأة في الفترة الممتدة من 1963 إلى سنة 1965 .
وفـــــــاته :
كانت يوم – 17/06/1968 – في قسنطينة بعد مرض عضال ألم به ، و دفن في مقبرة باتنة في موكب مهيب، وبذلك انطفأت شمعة من شموع العلم و المعرفة .
و قد رثاه العديد من الشخصيات الأدبية و العلمية نثرا و نظما ، فأشادوا بخصاله الكريمة و أعماله النيرة التي قدمها للوطن، و من بين الشعراء الذين رثوه : الشاعر السوري وليد قنباز في قصيدة مطوله عنوانها – ياقبر رفقا – جاء فيها على الخصوص :
ورد النعـــي فهاج لي أشجانـي** ونعى بغم أحمد السرحانــــــــي
بالأمس كان النجم في أجوائنــا** واليوم غار،وبات في الأكفــــان
أين التقى و العلم في خطراتـــه** اين الهدى و ذؤابة الإيمــــــــان
أين الحنان و أين صحبة أحمــد** أين الصديق لمعشر الشبـــــــان
قلب كبيــر و الجمــــيع رفاقـــه** لا يزدهي تيها عن الأقـــــــران
يا قبر رفقـــا بالمجــاهد احمـــد** فهو المعلم كامل الوجــــــــــدان
العين بعدك بالدموع سخيــــــــة** والقلب إثرك في لظى الأشجـان
وعزاؤنا أن الحياة قصيــــــــرة** فهناك نسعد في حمى الرحمــان
للأمانة العلمية : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمع هذه المعلومات و صاغها و صنفها : أخوه مصطفى و ابنه صلاح الدين ، اعتمادا على المخطوطات و الوثائق الخاصة بالمرحوم ، و على الروايات الشفوية المتنوعة – المعيشة – من قبل الرواة ، و تم ذلك يوم :
(24 جمادى الأولى 1476 هـ / الموافق لـ : 19أكتوبر 1995 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ